يعد كتاب "الرواية: مدخل إلى مناهج التحليل الأدبي وتقنياته" لمؤلفه برنار فاليت، عملاً منهجياً تحليلياً ثقافياً، لأنه يقدم لنا وبمنهجية عالية دراسة تحليلية دقيقة للرواية بالاستناد إلى المناهج الحديثة للبحث الأدبي، وهو كتاب تحتاجه المكتبة العربية لفن الرواية.

تهدف الدراسة الواردة في الكتاب إلى وصف الإجراءات التي تمكِّن من قراءة الرواية من منظور منهجي. وهدف المؤلف هو هدف مزدوج؛ فهو يستعرض المعارف المكتسبة في الاختصاصات المتنوعة ويبيِّن كيف يمكن لتلك الاختصاصات أن تجلب إضاءة جديدة للدراسات الأدبية. اعتمد المؤلف على أعمال سردية من القرن السادس عشر وحتى أيامنا هذه، والروايات الإنكليزية في القرن الثامن عشر.

الرواية ونظرياتها

يرى المؤلف أن الرواية تُعرف من خلال مدلولها المرتبط تاريخياً بفكرة الحكاية. وهي تجسيد للسرد الحمي، وتقع على مستوى مألوف وعلماني إلى حدٍ ما، وهي تتوافق مع أطروحات المؤرخ البلغاري جورج لوكاش. ويضيف بأن ظهور الرواية هو بمثابة نقد عضوي للمعرفة والسلطة واللغة الرسمية. ودراستها تخضع للتاريخ والحقب الزمنية. فلنأخذ الزمن الحاضر في الرواية، حيث يكتسب مدلولات عديدة، فقد يعبر عن الماضي "الزمن الحاضر للسرد"، وعن اللازمن على حدٍ سواء، كما أنه يستخدم إرادياً عند الوصف.

أما بالنسبة إلى دراسة ملامح الشخصيات في الرواية، فهي لا تختلف عن الوصف. ويرى جان بول سارتر أنه لا يمكن أن يتم وصف الشخصيات بشكل مستقل عن الوعي المدرك والتفاعل بين الأنا والعالم. وتستدعي السمات التكوينية للرواية علامات ضمنية وخارجية تنتمي إلى عدة سجلات سردية ووصفية أو استنباطية. والشخصية الفاعلة في الرواية هي التي تدين بقسم من أصالتها إلى سماتها المتناقضة. ويتضمن الوصف الخارجي والنفسي للشخصية سيرتها الذاتية، وما تقوم به في نطاق السرد، وما تقوله وكيف تقوله، وأخيراً ما تفكر فيه. وتدل مستويات اللغة سواء كانت مبتذلة أو متحذلقة المستخدمة من قبل الشخصيات على السمات الفردية أو الجماعية للشخصيات.

وظائف اللغة

يعتبر المؤلف أنّ علم اللسانيات أتاح للدراسات الأدبية المتعلقة بالرواية الاقتراب من العلوم الدقيقة. وقد تم التمييز بين جيلين فيما يخص دراسة اللسانيات الحديثة. يولي الأول اهتماماً باللغة الشفوية، ومع الجيل الثاني تم الكشف عن الظواهر الفومقطعية، فعلى سبيل المثال، في المجال الصوتي تتم دراسة التنغيم، وفي المجال الدلالي الربط الموضوعاتي، واللغات غير الكلامية، وقد حدد مقال لـ "رومان جاكوبسون" ظهر عام 1960 النصوص المؤسِسة للشعرية، وكان نصا تأسيسياً لأي نقد يرغب في الاقتراب من مناهج اللسانيات، ويعتبر جاكوبسون أن أي موقف للتواصل الكلامي يستند إلى ستة عوامل غير قابلة للتصرف فيها وهي: السياق، المُرسِل، الرسالة، المرسل إليه، اتصال، رمز، وكل عامل من العوامل المذكورة يخلق وظيفة لسانية مختلفة.

الشخصيات

يعرِّفنا مؤلف الكتاب على مفهوم الشخصية البطل في الرواية؛ فهو ليس سوى نتيجة شعور تعاطف يشعر به القارئ تجاه شخصية يتماثل معها أو يعتبرها قبلياً كناطق بلسانه. ويذكر عدة نقاط يمكن من خلالها التعرف على البطل، كذكره في الحكاية، ومكانه في نظام الأدوار فالبطل هو الشخصية الوحيدة التي توافق الشخص الأول، والكمية وخيار السمات الأسلوبية التي تشير إلى الشخصية على أنها الأساسية ، واقتصاد الإشارات حيث تأتي سماكة الشخصية من حياديتها وقابليتها لتُقلد بدلالات متعددة، وقد اعترفت الكاتبة الفرنسية فرانسواز ساغان بتفصيلها لهذه الطريقة قائلة: "لا أحب وصف بطلاتي وصفاً جسدياً. ينبغي أن يرتسمنَ في خيال القارئ".

ومن ناحية ثانية، يمكن أن يعمل السرد بشكل مستقل عن الشخصيات القابلة للتنابذ، وخير مثال على ذلك ما أنجزته المجموعة القصصية لجان بول سارتر التي حملت عنوان  "الجدار": "خمس هزائم صغيرة، مأساوية وكوميدية، أمامها خمس حيوات"، ولا يغير ذلك من الدلالة الفلسفية لقصص سارتر القصيرة. وكان أحد الممثلين الرئيسيين في "الأطفال المرعبون" لجان كوكتو هو شيء كروي، كرة ثلجية بالتناوب مع كرة صغيرة من عقار ما، عنصر مشوش رماه دارجيلوس الأنيق. ويستنتج المؤلف أنَّ بطل الفعل مجردٌ عن الوصف المحدد المفرد، سواء تعلق الأمر بكائن إنساني أو حيوان أو شيء أو قوة عظمى.

محاكاة مباشرة

يعرف المؤلف الرواية في هذا الفصل بأنها جنس مختلط وفقاً للصيغة الموروثة عن القدماء. سرد للأحداث ومحاكاة مباشرة، أو أداء وملفوظ سردي لوقائع اجتماعية وعادات موجودة. لكن، وفي إطار السرد كيف يجري الانتقال من القصة المفترضة إلى السرد؟ وكيف يتم تقسيم الأنظمة القصصية؟ حيث يبدو أنه إذا كانت الشخصيات والمواقف خيالية تكون آثار الواقع عديدة، ويحدث ترسيخ الواقع من خلال رموز الإطار المكاني- الفضائي. أما بخصوص الوصف في الرواية فإنه يخضع على الصعيد الشكلي إلى تخصص "الواقعية الذاتية"، فالتناوب بين الماضي البسيط والماضي الناقص يرافق الانتقال من المُلاحظ إلى الواقع المُشاهد، وللوصف عدة وظائف منها: إعلام القارئ، وترجمة نفسية الشخصيات وتسجيل الرواية في مجموعة نماذج أصلية وكليشات قادرة على الاعتماد على الوهم التصويري وزيادة انطباع مشابهة الحقيقة.

----

الكتاب: الرواية، مدخل إلى مناهج التحليل الأدبي

الكاتب: فاليت برنار

ترجمة: سميّة الجرَّاح

الناشر: المنظمة العربية للترجمة