ليس تأريخاً للرواية الفارسية في إيران بقدر ما هو قراءات فيها، إنه محاولة تعريف بها، اعتماداً على نصوصها، بهذا يقدم الكاتب العراقي سليم عبد الأمير حمدان، كتابه (قراءات في الرواية الإيرانية). غير أن الحقيقة هي أن الكتاب أقرب إلى كتاب التراجم والسير للروائيين الإيرانيين، منه إلى التعريف برواياتهم، فحمدان يعرّف بالروائيين الكتّاب، ثم يتناول مجمل إبداعهم بالتعريف، (قصة، مسرحية، رواية) وليس الرواية وحدها، كما عنون الكتاب.

‏مع ذلك، وأمام غموض الإبداع الأدبي في إيران بالنسبة إلى القارئ العربي، وذلك باستثناءات قليلة في الشعر والقصة، أو هو ـ القارئ العربي ـ لا يعرف عنه كما يعرف مثلاً عن السينما الإيرانية. ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب في هذا الجانب التعريف بأدب مجاور للعرب، والذي يُقدّم من خلاله التاريخ الإيراني من وجهة النظر الأدبية، وربما هو التاريخ الغامض لهذه "الجغرافيا" المثيرة للعرب، وذلك بمرور حمدان على مراحل ثلاث، هي أجيال الإبداع الأدبي في إيران حتى اليوم، وإن كان توسع في مرحلة على حساب الأخرى، كما فعل في مرحلة كتّاب الجيل الثاني، وفيها تناول بالتعريف سبعة كتّاب، من أركان هذا الجيل، هم: أحمد محمود، محمود دولت آبادي، هو شنكل كلشيري، رضا براهني، إسماعيل فصيح، غلام حسين ساعدي، إبراهيم يونسي، فيما اقتصر بالتعريف بالمؤسسين على اثنين: صادق هدايت، وبزرك علوي، وأما جيل حلقة الوصل، أي الثالث: فقد اختصره بالتعريف بكاتب واحد، هو أمير حسن جهل تن.

من هنا كان الاختيار أقرب إلى النماذج لدراسة الكل من خلال واحد. ‏فصادق هدايت الذي ولد عام 1903، ألف بين عامي (1928 و 1951) اثنين وعشرين كتاباً، وخمسة كتب أخرى بلا تاريخ نشر، مع ذلك فإن أهميته، حسب الإيرانيين، تأتي بالدرجة الأولى من أنه كان المؤسس للرواية الإيرانية، ولا سيما روايته (البوم الأعمى) التي كتبها في الهند عام 1937، وهي نتاجه الوحيد الذي نشره في كتابٍ مستقل، مصرحاً أنها رواية، وهي ما يستشهد بها كرائدة للرواية الإيرانية. ‏

وكانت شهرته إضافة إلى الريادة تأتي من حياته ومماته المثيرين، وأسفاره الكثيرة، ولا سيما إلى الهند للتعرف على مواطن المهاجرين الإيرانيين من الزرادشتيين، ثم يختم حياته، كما ختمها لأغلب أبطال قصصه ورواياته بالموت، وكان هاجسه: الذي كان يخاطبه "لست رسول الحزن، بل أنت علاج الروح الذابلة، إنك تفتح بوابة الأمل بوجه اليائسين..". وقبل أن يقضي منتحراً في منزله الباريسي اختناقاً بالغاز كانت تتنازعه فكرتان: النهلستية، والوجودية، وهو إلى اليوم مثار جدل بين النقاد الإيرانيين، بين إنكاره، والمبالغة في امتداحه. ‏

أما المؤسس الآخر فكان بزرك علوي (1903 ـ 1997)، وهو شاهد على قرن بكامله، والذي دخل السجن كأحد أعضاء الحزب الاشتراكي، الذي كان يعمل على تشكيل تنظيم شيوعي، وكان من جماعة "الثلاثة والخمسين" والتي كتب عنها "قصاصات السجن"، وعندما تأسس حزب تودة (الجماهير) في أوائل الأربعينيات كان عضواً في لجنته المركزية، ومثل هدايت سافر كثيراً، وترجمت أشهر رواياته "عيناها" إلى الألمانية والإنكليزية، وعبر كتاباته التراثية، صدرت له مجموعات قصصية وروايات هي: عفريت، 1931، حقيبة الملابس 1934، 53 نفراً 1951، المتزعمون 1978، ميرزا (الأفندي) 1978، والأرضة 1989، وبعد وفاته صدر "كيلك" أو الرواية... ‏

أحمد محمود (1931 - 2002) أحد أكبر كتّاب الجيل الثاني من الروائيين الإيرانيين، وكان قد بدأ بكتابة القصة ونشرها مبكراً في سن العشرين سنة، فيما كانت أولى رواياته (الجيران) 1962، ووصلت نسخها إلى ربع مليون نسخة، وله في القصة القصيرة تسع مجموعات، وست في الرواية، ونظراً لأن مضامين كتاباته تتجه لأن تكون اجتماعية وسياسية، أبطالها الضعفاء والمقهورون، فإنه كان يواجه مشكلة دائمة مع الرقابة، وكان أن تعذر طبع رواية (الجيران) في السنوات التسع الأولى من عمرها، ثم تعذر تجديد طبعها أربع سنوات كانت هي ما تبقى من العهد الملكي في إيران، وذلك بوصفها رواية شيوعية، وكانت قد وصفت فيما بعد بـ "المبتذلة" والخليعة، مع ذلك ترجمت مع غيرها لأحمد محمود إلى الكثير من اللغات الأجنبية. ‏

أما محمود دولت آبادي، فهو واحد من كتّاب الرواية الذين يجري ـ حسب حمدان ـ تجاهلهم عمداً على المستوى الرسمي وشبه الرسمي، مع أن روايته "كليدر" جعلته معروفاً خارج إيران، وكأحد المرشحين لنيل جائزة نوبل، ويعود سبب التعتيم لكونه من الناشطين لإحياء "كانون نويسندكان" (مركز الكتاب) وهو تنظيم مهني للكتاب، كان لندواته وأماسيه دور تحريضي كبير في العهد الملكي، وقد نجح مع زملائه في عهد الرئيس خاتمي (الجمهورية الثالثة) بتشكيل المركز، وإعلانه عن مباشرة أعماله، وآخر عام 1999 نال جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله... و"كليدر" اسم سهل في محافظة خراسان، وهي كانت واسطة العقد الإبداعي في كتاباته، والأكثر انتشاراً وشهرةً. ‏

وفيما يسميه بمرحلة حلقة الوصل يركّز حمدان على أمير حسن جهل تن، المولود في طهران عام 1956، نشر أثناء دراسة هندسة الكهرباء في الجامعة مجموعتين قصصيتين: "صيغة" 1976، و"دخيل على الشبّاك الفولاذي" 1978، وبعد كفاح مع الرقابة وصلت روايته الأولى "روضة القاسم" إلى المطبعة عام 1983، غير أنها أوقفت في مرحلة التجليد لمدة سبع عشرة سنة، إلى أن طبعها بعض أصدقائه خارج البلاد، وفي عام 1991 أصدر روايته "قاعة المرايا" ثم عام 1998 (لم يبق شيء حتى الغد) وفي عام 1999 أصدر ثالثته الروائية "نبات المحبة". والوحيدة التي لاقت ترحيباً في إيران كانت (قاعة المرايا) من هنا كان اتجاهه في كتابه المقالة، منها مثلاً مقالته (الكتابة عمل خطر) التي طرح فيها آراءه في فن الكتابة القصصية، وهو من المشتغلين على إعادة إحياء (مركز كتّاب إيران) الذي حُلّ منذ عشرين سنة. ‏

سليم عبد الأمير حمدان، في هذا الكتاب، يعرّف بالحكاية، لروايات، وقصص ومسرحيات لعشرة كتّاب إيرانيين، مبتعداً قدر الإمكان عن الدراسة النقدية، وكأنها محاولة لتقديم أفكار عن هؤلاء الكتاب وكتاباتهم، كتعويض عن ترجمتها، التي ربما تحتاج إلى وقت أطول من التعريف، الأمر الذي لم يتوفر للكاتب، فكانت هذه "القراءات" التي قد تفتح بوابات الترجمة لهذه الأعمال إلى ‏ العربية.

----

الكتاب: قراءات في الرواية الإيرانية

الكاتب: سليم عبد الأمير حمدان

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب