يعتبر أرسطو الأب لعلم المنطق، حيث ناقش آخرون من قبله طبيعة الحجج وكيفية تقييمها، لكنه كان أول من وضع معايير منهجية للقيام بذلك، حيث لا يزال مفهومه للمنطق حجر الزاوية في دراسة المنطق حتى اليوم.

اشتغل كثيرون بعلم المنطق في الحضارة الإسلامية من العلماء، ففي كتاب "المنطق الإسلامي" الذي ألفه "محمد بن يعيش" حيث كان المنطق الأرسطي لدى مفكري المشرق الإسلامي حاضراً بشكل واضح، طرحت إشكالية البحث المتمثلة بالحيثيات التي رافقت استقبال المسلمين علماً دخيلاً على العلوم الإسلامية كالمنطق وتعاملهم معه، ومراحل تردده بين الرفض والقبول في البيئة الجديدة.

كما تناول الكتاب المسألة المنطقية الأرسطية في محاولة لكشف سر انتقالها إلى العالم الإسلامي، كما يستعرض ترجمة الفكر اليوناني إلى السريانية ثم إلى العربية في عهد الخليفة المأمون الذي أمر بنقل العلوم اليونانية ومنها كتب "المنطق" إلى العربية لتشكل حصيلة أعمالهم القاعدة التي ارتكز عليها كل من الفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد في تطوير علم المنطق اليوناني.

ويستعرض الكاتب آراء أرسطو في المقولات: الحد والجوهر والكم والإضافة والكيف، والمكان والأين، والزمان والمتى، والوضع، والملْك، والفعل، والانفعال، وآراء كل من أرسطو وابن سينا في "الألفاظ" و"المعاني" و"الحدود"، وانعكاسها لدى الغزالي، الذي أضاف أقسام الوجود وأحكامه إليها.

كما تناول الكاتب شرح القضية من وجهة نظر كل من أرسطو والفارابي وابن سينا والغزالي، فهي تعتبر العنصر الأساسي في الاستدلال عند أرسطو، وقد قسمها إلى: قضية حملية وقضية ذات جهة. أما الفارابي فالقضية عنده ثلاثة أنواع: حملية وشرطية وذات جهة، أما القضية عند الغزالي، فقد عرّفها بـ "المعاني المفردة"، وكانت عند ابن سينا بحسب نوع الكلام (جملة خبرية أو جملة إنشائية).

يؤكد ابن سينا في كتابه "المنطق" بأن الغرض في الفلسفة أن يوقف على حقائق الأشياء كلها، حيث قسم الفلسفة إلى قسمين: فلسفة نظرية وفلسفة عملية، كما تناول موضوع المنطق والفلسفة في العالم الإسلامي حيث قدم تحليلاً شاملاً لأهم المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في هذا المجال، من خلال عرضه لتاريخ تطور المنطق في العالم الإسلامي وتأثير هذه التطورات على تطورات أخرى بمجالات عدة، حيث يرى "ابن سينا" أن المنطق هو الآلة العاصمة للذهن عن الخطأ فيما نتصوره ونصدق به، والموصلة إلى الاعتقاد الحق بإعطاء أسبابه ونهج سبله، ونسبة المنطق إلى المعاني والصور العقلية نسبة النحو إلى الكلام والعروض إلى الشعر، فهو كالميزان يرجع إليه عند اشتباه الصواب بالخطأ والحق والباطل.

كما ضم كتاب "المدخل إلى علم المنطق" للكاتب جمال ضاهر التعريف بعلم المنطق وموضوعاته وسبل استخدامه، فبالرغم من كونه مخصصاً لطالب الفلسفة إلا إنه سعى إلى تبسيط هذا العلم ليصبح أداة متاحة يستعملها كل طالب في دراسته وفي حياته اليومية من دون الحاجة إلى مدرّس.

يتضمن الكتاب النصوص المختلفة نوعاً ومضموناً، تفسيراً لأسس المنطق وقواعده وقوانينه جميعها بلغة بسيطة بعيدة عن التكلف وعن التعقيد، حيث رتب الفصول من الأسهل إلى المركب فالمعقد، ليمكّن بذلك ليس طالب الفلسفة من فهم مركبات علم المنطق وعلاقاتها بعضها ببعض فقط، بل أيضاً كل طالب بغض النظر عن موضوع تخصصه.

كثيراً ما نحكم على حديث نسمعه بأنه غير منطقي، معبّرين بهذا عن كونه لا يتسق وما يقبله عقلنا، مفترضين أن ما لا يقبله عقلنا لا يقبله عقل إنسان. كما أن اختلاف الحضارات واختلاف المجموعات المنتمية إلى الحضارة ذاتها، نجد في كثير من الأحيان من يقبل بما لا يقبله عقلنا، وقد نجد شخصين ينتميان إلى الحضارة نفسها، لا يقبل عقل الواحد منهما ما يقبله عقل الآخر، فعندما يعتمد كل واحد على منطقه الخاص به، ولا يوجد مشترك مُعتمد حول آليات التفكير السليمة وحول كيفية الابتعاد عن الوقوع في الخطأ، فلا مقياس لتصنيف الأفكار بين صواب وخطأ.

----

المراجع:

-المنطق الإسلامي، محمد بن يعيش، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2023.

-كتاب المنطق، ابن سينا، مكتبة الثقافة الدينية، 2019.

-مدخل إلى علم المنطق، جمال ضاهر، دار الفارابي، بيروت، 2021.