منذ النشوء الأول، سعى الإنسان إلى أن يحكي ويصف ما كان يرى أو يتوهم ويعتقد، فقد كان يُريد أن يجد لكلّ ما يكتشف من غرائب الطبيعة سبباً أو قصة أدّت إليه أو يؤدي إليها.
منذ زمن بعيد، كان اهتمام علماء المأثورات الشعبية بما حكى الإنسان، على اعتبار أن الحكايات من أقدم مظاهر التراث الشعبي التي عرفتها الإنسانية، فقد عكفوا على دراستها، وعمدوا إلى تصنيفها بأساليب مُتعددة، وربما هذا ما دفع الباحث السوري منير كيّال ليوثق "حكايات دمشقية" في كتابه الصادر بذات الاسم.
وفي تعريفه الحكاية الشعبية يذكر كيّال: هي فنٌ مُتميز من فنون الأدب الشعبي، وهي أقوى فنونه على البقاء، تعود إلى المراحل الأولى لنشوء الإنسانية. واليوم لدى غالب الأمم والشعوب حكايات تمتدُّ جذورها إلى أزمان سحيقة يصعب تحديدها. كما صُنفت الحكاية بالنسبة إلى محتواها بغية تحديد الأنماط التي يندرج تحتها القص الشعبي. ومن الباحثين من اعتمد التصنيف الجغرافي التاريخي للحكاية الشعبية، الذي يعتمد على الاهتمام بالأنماط والجزئيات. وقد أخذ على هذا الاتجاه إهمال ارتباط الحكاية الشعبية بالحياة اليومية، والتغيرات التي تعرضت لها. فيما قسّم الباحث الألماني فوندت الحكايات إلى سبعة أنواع: الحكاية الميثولوجية، حكايات السحر والخرافة، الخرافات البيولوجية، حكايات الحيوان، حكايات أصول القبائل والشعوب، حكايات هزلية خرافية، وأخيراً حكايات أخلاقية. أما الباحثة نبيلة إبراهيم فتُصنف الحكاية حسب محتواها الواقعي: الواقع الأخلاقي، الواقع الاجتماعي، الواقع السياسي، حكايات تكشف عن موقف الإنسان الشعبي من العالم الغيبي، حكايات المعتقدات، والحكايات الهزلية.
وفيما يخص حكاياتنا الشعبية، فهي حسب الباحث كيالي موضوعها واقعي الأرضية، ميلودرامي الانفعال والطابع، وهي مُستمدة من حياتنا اليومية للتعبير عن حياة الناس بأسلوب فيه الكثير من الإمتاع والمؤانسة. إنها تصوير غير مُباشر لما جاشت به النفوس من أصداء الخوف والقلق والاضطراب وما تعرّض له الناس من ألوان الظلم والاستغلال والاستغفال من قبل ذوي الجاه والسطوة الذين كانوا يتحكمون في شؤون معاش الناس بضروب الخداع والمكر، فضلاً عن دعوتها إلى الأصالة في سلوك الناس بعضهم مع بعض وطرحها لضروب من أسباب التسلية والترفيه. ومع انطباع هذه الحكايات بالواقع المُعاش في فترة من حياتنا؛ فإنها قد تخرج عن واقعيتها، فتصوّر لنا عالم الإنسان كما هو في خياله، فتداخل في ذلك المعرفة الواقعية مع التصورات الخيالية، وسبب ذلك تأكيد قيم لا يُمكن ممارستّها في الحياة اليومية، فيأتي سياق الحكاية في صياغة تنسجم ومفاهيم الناس ومنطلقاتهم وعاداتهم.
ترتكز الحكاية على البطل الأنموذج؛ الشخصية القادرة على إيصال ما تريده إلى المتلقين، وغالباً ما يكون هذا الأنموذج من عامة الناس، فتقوم الحكاية بوصف الظروف التي تُحيط به بطابعٍ ميلودرامي كأن يجد نفسه يتيماً أو وحيد أبويه، أو أصغر أخوته، يُعاني من سوء المعاملة، وتتالى أحداث الحكاية وينجح البطل في تخطي ما يُعيقه ويصل إلى غايته ويعيش حياة سعيدة.
وفيما تطرح بعض الحكايات موضوعاتها بأسلوبٍ صريح لا لبس فيه ولا غموض، فيكون جميع شخوصها من العقلاء، وقد تسلك أحياناً أسلوب الرمز مُستخدمة الإطراف والأغراب وروعة الأداء واضعة الحيوان والخوارق في موضع البشر، فتوري عن أهدافها بألسنتهم وتصرفاتهم لتمرير نقد أو طبع أو سلوك يُنافي ما تواضع عليه الوجدان الجمعي، ومن الحكايات ما يُصوّر حدثاً بعينه، ويقتصر على عنصر أساسي واحد، ومنها ما يروي أحداثاً مُتتابعة مجموعة بروابط تجمع بين عناصرها. ومنها ما يُشكّل ويكّون حكايات متداخلة، كل حكاية منها تولد حكاية أخرى – كما حكاية سمكة ضحكت على ملكة- التي تجمع بين ثلاث حكايات.
إنّ حرص الحكاية على اختيار شخوصها من البيئة، يجعلهم يُمثلون أدواراً يُشاركهم فيها الوجدان الجمعي بأحاسيسه ومشاعره، وكأنه معهم بأبعادهم وتنقلاتهم، وعندما يأخذ البطل - الشخصية دوراً خارقاً يمحي فيه البعد والزمن ويميل إلى التسطح مُبتعداً عن الحياة. لكنها تجعل ذلك الخارق نوعاً من الإمتاع والإثارة. كما أنّ الحكاية لم تهمل المرأة التي ظهرت بنماذج مختلفة سواء كانت ملكة أم زوجة أم أمةً بارعة الجمال، فقد تفنن الرواة في وصف محاسنها وأسباب فتنتها.
ومن ملامح الحكاية أيضاً تضمينها العدد، مثل العدد اثنين الذي يرتبط بثنائية الخير والشر، كما يُلاحظ امتداد العدد ثلاثة إلى عدد الشخوص التي تتوزع أدوار الحكاية كما في حكاية "عرق المراسي".
وأما عن غايات الحكاية، فهي كثيرة تُعبّر عن فكر وحياة المجتمع ورؤيته الخاصة في تفسير ظواهر الكون والوجود، كما تصوّر ملامح المجتمع وأحاسيسه ومواقفه من الحياة في صياغة فنية متكاملة الشخوص والأحداث والحبكة والنهاية.
----