تُؤخذ الخزعة لتحديد ما إذا كان هذا الشخص مصاباً بالسرطان أم لديه حالة مرضية أخرى، يكون ذلك من خلال إزالة قطعة من النسيج أو عينة من الخلايا وتحليلها في المختبر. وتكاد تكون هذه الطريقة الوحيدة لإجراء التشخيص لغالبية أنواع السرطانات، كما تساعد في تحديد نوعه ودرجة خطورته؛ حيث تظهر النتيجة على هيئة أرقام بمقياس من 1 إلى 4 . ومن المتعارف عليه أن الطبيب يرسل عينة من النسيج إلى المختبر لتحليلها، وتوضع هذه الأجزاء على شرائح زجاجية مع صيغها لتحسين التباين، ثم تخضع كل عينة على حدة للفحص المجهري.

إن العلوم والمعارف لا تقف عند نقطة معينة، فهناك أبحاث جديدة يسعى الباحثون من خلالها لاختصار الوقت والجهد والحصول على نتائج دقيقة لأكبر عدد من الأشخاص في وقت واحد. من هذه الأبحاث الجديدة هي الفكرة التي عملت عليها الدكتورة ريم حرفوش من كلية الصيدلة بجامعة تشرين، بعد أن قامت بتجاربها في مخبر التشريح المرضي بمشفى تشرين الجامعي ومركز أبحاث السرطان؛ حيث عمدت الباحثة على إدخال تقنية جديدة اسمها المصفوفات النسيجية الدقيقة، وهي تقنية لم تكن موجودة في سورية سابقاً. الهدف منها هو الوصول إلى بنك أنسجة يضم عدداً كبيراً من الخزعات التي تؤخذ من مئات المرضى وتوضع في بلوك واحد، ليتم اختبارها من خلال تطبيق واحد يقوم بدراسة تعبير البروتينات في الورم ومدى انتشارها. وترى الدكتورة حرفوش أن انتشار هذه التقنية سوف يوفر كواشف ومواد ومستلزمات كبيرة ومُكلفة. فمن خلال هذه الطريقة سيتم دراسة أكثر من بروتين على أكثر من مريض في وقت واحد، مما يوحد شروط العمل ويعطي سرعة في الحصول على النتائج.

تقول الباحثة: تعتبر المصفوفات النسيجية الدقيقة tma تقنية مفيدة لدراسة تعبير بروتينات محددة في الأورام، تتميز بإمكانية تقييم مئات العينات في وقت واحد لتعبير الواسم الجزيئي على مستوى البروتين أو الحمض النووي، وتسمح بالتحليل المتزامن للأهداف الجزيئية عند مستويات DNA وmRNA والبروتين في ظل ظروف معيارية على شريحة واحدة. كما توفر أقصى قدر من الحفظ والاستخدام لعينات الأنسجة وأرشفتها. هذه التقنية فعالة من حيث التكلفة والوقت وكمية الكواشف المستخدمة لتحليل عينات الأنسجة المتعددة في وقت واحد، بدلاً من العملية التي تستغرق وقتاً طويلاً لتقطيع كل قالب على حدى.

الدكتورة ريم حرفوش

الطرائق والتحضير

توضح الدكتورة ريم حرفوش تفاصيل البحث الجديد الذي تم باختيار 88 قالباً من مرضى سرطان الثدي من قسم علم الأمراض في مشفى تشرين الجامعي في اللاذقية مشخصة خلال عامي 2020 و2021 وتمت مراجعة الشرائح الملونة بالهيماتوكسيلين والأيوزين بواسطة أخصائي علم أمراض الذي يحدد علامات لمكان ثقب النسيج، بهدف وضعه في قالب المصفوفات النسيجية الدقيقة، وكان ذلك باستخدام قوالب ذات 170 نواة وقطر كل واحدة 1مم. وتم إنشاء المصفوفات النسيجية الدقيقة TMA يدوياً عن طريق ثقب نواة من قالب بارافين مانح باستخدام مبزل صغير يتم إيداعه بعد ذلك في قالب المصفوفة النسيجية الدقيقة المتلقي. وتم وضع ثلاثة أنسجة مثقوبة في ثلاثة نوى متتالية لكل متبرع.

وتبين أنه وبعد إدخال جميع النوى في القالب المستقبلة، تم وضع قالب TMA على شريحة زجاجية وتعريضها لحرارة لطيفة ضمن ثلاث حالات مختلفة، وبعدها تم تقطيع قوالب المصفوفات الدقيقة مع التأكد من المحاذاة على المحور الأفقي والمحور العمودي لمنع فقدان الأنسجة، ثم التلوين المناعي للشرائح المحضرة. وتقول: عرضتُ الشروط المثلى لكي تكون هذه التقنية ناجحة من حيث دمج الخزعات مع قالب الشمع ومن حيث سماكة التقطيع، بهدف الحصول على ميكروتوم وعلى شرائح قبل تطبيق التلوينات المناعية. وطبقتُ في مراحل العمل أمثل الشروط وأفضل ما يجب تطبيقه لكي تنجح هذه التقنية.

قالب واحد

تأتي أهمية هذا البحث من حيث إمكانية التطبيق في المشافي والمراكز العامة الحكومية التي يراجعها أعداد كبيرة من مرضى السرطان، كما أنه يمكن تطبيقها في المراكز الخاصة. ففي هذه الطريقة وبحسب الباحثة، فإنه يتم جمع عدد كبير من المرضى وتوضع جميع الخزع في قالب واحد. وبالتالي تكون تكلفة خمسين مريضاً لا تعادل أكثر من تكلفة مريض واحد، ما يوفر الكثير من الاستهلاك والهدر في الكواشف، كما يوفر الوقت والجهد على العاملين فيها، خاصة أنه يمكن تطبيقه على معظم الأورام وليس على أورام الثدي فقط.

وتتابع الباحثة أنه بهذه الطريقة وفي حال كانت النتيجة إيجابية، يمكن الاستفادة من علاجات حديثة لم تطبق حتى الآن في سورية، غير العلاجات التقليدية مثل العلاجات المناعية، وهي العلاجات الهدفية الموجه على أساس مناعي. خاصة وأن العلاج الكيميائي لم يعد الخيار الأول في معظم دول العالم، فالتوجه الحالي يركز على العلاجات الهدفية التي تتوجه إلى المرض بحد ذاته. ومن المؤسف أننا في سورية لا نزال نعتمد في الدرجة الأولى على العلاجات الكيميائية التي تستهدف الخلايا السليمة مع الخلايا الورمية، ونرى تأثيراتها الجانبية أخطر من السرطان نفسه. وعليه فإن تطبيق هذه التقنية وتقديم دراسة تعبيرية لعدة بروتينات ومستقبلات جديدة، يمكن أن تدفع بخطوات العلاج الهدفي بشكل أسرع.

خلاصة البحث هو الوصول إلى بنك للأنسجة خاص بمرضى الأورام في سورية، يكون بديلاً عن وجود أرشيف كبير من البلوكات الموزعة لدى مراكز ومخابر مختلفة، ليتم اختصارها بحوالي 15 بلوكاً فقط، يجمع معلومات دقيقة حول واقع وحالة كل المرضى، وتتم دراستها وتجربة التقنيات عليها وتعبير البروتينات الخاصة بكل مريض بشكل أسرع، بهدف الوصول إلى بنك خاص بالأنسجة الورمية والميتة.